[size=9][size=21][size=12]أذكر
حينها أجبت بان الموت هو حالة انتصار على الذات في وقت تعجز فيه الذات عن
اثبات نفسها ،او كما قال متشنيكوف في بداية القرن العشرين " الانسان لا يموت الا اذا اراد حقا ذلك وان موته العضوي ليس سوى استجابة لطلب نفسي ملح "قالت ولكن ما علاقة الوطن بالموت ، انه توحد الذات بالوطن فعندما يكون الوطن على مقربة من الموت تفديه الذات
اتذكر ذلك فاحس بالتخاذل و القوة معا ، احس بحالة من التجمع والتكاثف ثم الانفجار يائسا باحثا عن شيء لا اعرف كنهه
طوال هذه السنة أعيش و في داخلي مشاعر انكسارات و انتصارات حب و كره ؛ حالة لا يمكن تسميتها إلا بأنها حالة
هذه المرأة التي حركت فيك كل المشاعر البشرية ، احاسيس لم تكن تعرفها من
قبل ، جعلتك في حالة غيبوبة و غربة عن الكتابة واغتراب عن الذات.
حدود الرؤية تحجبها الشفتان ، لا تسمع سوى صوت شفتيها ، معرفتك بالحدود انتهت عند حدودها ، لا تعرف مذاقا الا لها
فتشتم رائحة الكرز فيها.
تركز ذاكرتك تلملمها ، تضعها امامك بؤرة لعدسة محدبة ، تحتال على ذاكرتك لتصل الى أن المرأة هي طريق المعرفة وأصلها
من قال أن حواء خرجت من ضلع آدم قد صدق ، انها كما أراها الطيف و الماء ، انها البياض المشرب بحمرة خفيفة ، الاشتعال القاتل
الصوت الصغير القاتل من غير الصوت ، انها ثورة لحظة اشتعالها ، انها لحظة الخلق ..
تتذكر عندما سجلت نفسها في ذاكرتك بسؤالها عن الموت ، في تلك اللحظة من
اللازمان واللامكان التي انتهت فيها كل التفاصيل (اللحظات و المسافات )
وبدأت تدخل في بركان من الاسئلة .
لا يهمنا قصة ذلك اللقاء ، وما حدث بعد ذلك ، ولكن انه الموقف الذي أصيح
بعد ذلك موتا ، ترى وجهها قناعا لكل ما يقابلك ، وسؤالها هو السؤال اليومي و
لا تملك اجابة عليه .
وبدأ ذلك السؤال هو الوجه الآخر لكل الاشياء ، حتى الفرح له الموت ظلا ، كم
هي سنة متعبة ان تحمل شخصا اخر في داخلك ، يأكل و يشرب ويفكر ويحزن و
يثقلك بالاسئلة .
أذكر يومها كنت اروي لها عن استشهاد شخص عزيز علي و في غمرة الاحزان و
الذكريات والموقف البطولي الذي سطره يوم استشهاده ، فاذا بها تباغتني بذلك
السؤال " ماذا تعرف عن الموت ؟؟"
صعقني السؤال ، تجمدت ملامحي ، وكأني لاول مرة اسمع بهذه الكلمة الجهنمية ،
قلبت ما اعرف من مفردات تحايلت على الذاكرة وانا الذي امتهن القول ،
فكيف لاستاذ في الادب يكتب الشعر ولا يستطيع ان يصف حالة تكررت امام عينيه
عدة مرات ، فهل كل ما كنت اكتبه نابع من الفراغ ؟؟ اي قيمة شعرية التي
تخلو من الموت ؟؟ اذا لم يكن الموت بين الاشياء فلا يحق لها ان تمارس
الحياة ، فاذا لم يكن هناك تناقض في الاشياء فانها تفقد المعني وتفقد
الوجود.
وصلت الى البيت وضعت غلاية القهوة على النار اذبت فيها افكار لم تولد بعد
..... يقولون ان للشعراء ملاك وانا القهوة هي ملاكي وملهمي فبدونها اشعر
اني ما زلت في زمن الابجدية الشعرية حاولت ان الملم افكاري ولكن دون جدوى ،
حالة الشلل التي سيطرت على مشاعري انتقلت الى افكاري .
بعد ذلك اللقاء اصيحت اراها بصورة الموت وعندما اعود الى البيت احاول ان
اصفها لاصف بها الموت وايضا دون جدوى ، فما اشد شقاء من شخص يفشل في شيء
امتهنه ، فانا الذي امتهنت التعابير و الذكريات ، اقف اليوم عاجزا .
بعد سنة من تلك الحادثة اختفت فجأة دون سابق انذار ، سألت عنها في كل مكان لكن دون جدوى .
بدأت ذكراها تخبو من عقلي ، وعاد التوازن بعد ان احسست باجنحة الجنون تحلق
فوق رأسي ، اذن لقد زال السبب وبزواله زالت العوارض ولكن السؤال ، لو كان
شخصا اخر هو الذي سألك ذلك السؤال هل كنت ستصاب بحالة الاعياء تلك التي
دفعتك لان تزور المشفى اكثر من ثماني مرات في نفس السنة ؟؟ أم هناك اشخاصا
معينون يغيرون مجرى حياتنا بكلمة يسجلونها في ذاكرتنا ؟؟؟